مقالات
٢٤‏/٧‏/٢٠١٧ Fiat Lux | أنطوانيت نمّور

بين أنين المنفى و أنين الولادة

"فالآن أئن كالتي تلد وأتنهد وألهث." يقول الرب على لسان أشعيا (14:42)

إعلان مذهل و استعارة غير متوقعة لله: فإنه في العالم القديم لم يكن أحد أكثر هشاشة من المرأة التي هي على أبواب الولادة لا سيما و أن حالات الوفاة أثناء الولادات كانت مرتفعة أنذاك. 

في مرحلة الأسر تساءل إسرائيل عن صمت الله خلال المرحلة الإنهزامية تلك! فهل تلاشت قوة الجبّار؟... لا!! في الحقيقة، غياب الله الظاهر لم يكن ضعفاً.

 كان الحمْل!!!

ها هو الآن، يصرخ كما لو كان في المخاض، و ها هو يلد مستقبلاً جديداً لهم.

سينتفي المنفى و يولد المخلص و يتحقق الوعد!!!

و اليوم، كما الأمس!

شعب الله، كنيسته، "منفية" في عوالم تدّعي التقدم فيما تسير طريق الوحول، في تشريع إجهاضٍ و موتٍ رحيم... و عوالم أخرى تُدعى ثالثة غارقة في ظلام العوز و الإرهاب الذي يرتكب بإسم "الرحمن الرحيم"!

كمسيحيين، نراهن على يسوع الذي جلب الخلاص والشفاء... نطمح لولادة مجتمع جديد مثاله ذاك الإبن المتجسد، يضع نفسه بثقة و حب بين يدي الله الذي وحده يستطيع أن يوّجه التاريخ نحو غايته الحقيقية.

اليوم كما الأمس. في وسط الفوضى و الشر نحتاج أن نلمس قوة الله!

و لكنه هنا!! يذكّرنا أنه يتألق مثل امرأة في المخاض، يلد العالم الجديد الذي وعد به على مر الأجيال وأكده لنا في المسيح ...

و لكن!! 

خطة الله الخلاصية لا يمكن فصلها عن خصب الكنيسة. يحذّرنا  فروست، الإختصاصي في لاهوت الكرازة، من فصل الأمرين... ويقول أن الرب كلّفنا و جهّزنا،على حد سواء، من أجل إصلاح نسيج المجتمع!!

 و أن نكون مجهّزين يعني أن نكون منه ممتلئين!! منه، لا من ذواتنا!! عندها فقط نكون رسل المحبة و الرحمة و مبعوثي للكرامة الإنسانية في حقل عالم "المنفى" هذا!!

كتب دافيد بوش يوماً، "إن الموضوع الرئيسي لرسالتنا التبشيرية هو أن المسيح قام، وأنه، بالتالي فإن الكنيسة تعيش حياة القيامة في ال "هنا والآن"، وتكون علامة تناقض وجه الموت والدمار".

هذه هي حضارة الحياة التي تكلّم عنها كثيراً البابا القديس يوحنا بولس الثاني. ولعالم متعطش لما له معنىً بين كل ما يعانيه من "اللامعنى"، وبما أن فاقد الأمر لا يعطيه: نحن بحاجة لقلوبٍ مخصّبة بيسوع، الإبن المتجسد المصلوب والقائم نقدمه الجواب!! 

و مما لا شك فيه أن اللغة التي من المستحسن أن تتكلم من خلالها الكنيسة، كل الكنيسة، وليس فقط الكهنة و الرهبان و الراهبات...، يجب أن تكون لغة تواكب العصر . من هنا أهمية حسن إستعمال وسائل الحداثة... 

و لكن!! حذار من الجنوح في تحويل البشارة الى مهرجان متنقل وسيرك لا يرتاح فيه الملتزمون ليصبحون مهرجين بدوام كامل!!

 لا، ليس المطلوب أن نحوّل "ملح الإنجيل الى سكر" بحجة جذب العالم!! لكن في المقابل لا يجب أن نخاطب شباب قرن الواحد والعشرين بلغة العصور الوسطى!! إنما بأمانة لرب البيت، لرب الكنيسة، هلّم نعلنه لغرباء المنفى، لنعلمهم أنهم ما عادوا غرباء بل به، بإمكانهم أن يضحوا أبناء!!  علينا أن نعلن الحقيقة التي هي يسوع المسيح ؛ فما عندنا سواه على ما يقول القديس  بطرس: ««لا فضة عندي ولا ذهب، ولكني أعطيك ما عندي: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش»». و للشبيبة و للعالم، ومن أجل عالم جديد، يزهر فيه سلام البيت، تعلن الكنيسة يسوع و تقول: «لا فضة عندي ولا ذهب، ولكني أعطيك ما عندي: باسم يسوع المسيح الناصري قم وانطلق»!! وليس علينا أن "نزيّن" هذه الحقيقة بل أن نطلقها بذكاء فهي، على ما يقول أغسطينوس، كالأسد عندما تطلقها تدافع عن نفسها!! 

اليوم، في وسط أنين المؤمنين من شرور المنفى و تحدي البشارة،أنين من نوع ولادة...

 فعلّنا لا نسأل أي نوع من الكنائس يحتاجها العالم، بل أي نوع من العالم الله يلد؟!