الكتاب المقدّس | العهد الجديد
١٥‏/١٠‏/٢٠١٦ إنجيل متّى | الأب بيار نجم ر.م.م

مدخل إلى الإنجيل بحسب متّى

بحسب التقليد كان إنجيل متّى يعتبر الأقدم بين الأناجيل كافة وقد أخذ منه مرقس مكوّنات انجيله مختصراً إيّاه. إنّما نعلم اليوم أنّ متّى هو انجيل متأخر، كُتب بعد مرقس، أخذ من مرقس الخطوط الأساسية وأضاف إليه مكوّنات أخرى مثل إنجيل الطفولة والظهورات ما بعد القيامة (راجع المشكلة الإزائيّة).

 

الكاتب وتاريخ الكتابة

إنّ أقدم اشارة إلى كاتب الانجيل الأول تأتي من بابياس اسقف هيرابوليس "أما متّى فقد كتب الاقوال باللهجة العبرية (الآرامية) وكل واحد ترجمها بحسب معرفته".  هذا القول الذي نقله المؤرخ اوسابيوس في "تاريخه الكنسي" قد صار مصدر التقليد القائل بأن متّى هو كاتب الانجيل الأول.

 

مما لا شك فيه هو أنّ الإنجيل لا يحتوي على أية اشارة تدل على هوية الكاتب.

 

- لا شيء في الانجيل يدل على أنّ الكاتب يقول عن نفسه أنه شاهد عيان للأحداث الموجودة في الانجيل.

- التقليد القائل أنّ لاوي جابي الضرائب قد صار هو نفسه كاتب الانجيل لا يمكنه أن يوضح كيف أنّ متّى جابي الضرائب يدعى لاوي بحسب مرقس 2، 14؟ وكيف يمكن  لجابي ضرائب يهودي أن يكون مطّلعاً بدقة على دقائق العهد القديم وتفاسيره ليكتب انجيلا "يهودياً" صرفا؟

- لماذا اعتمد كاتب انجيل متّى على مرقس وعلى المصدر في كتابة انجيله إن كان هو نفسه متّى مرافق يسوع وتلميذه؟ (80% من مرقس موجود في متّى).

 

إنّما نسبة الإنجيل إلى متّى قد تتأتّى من كون هذا الرسول ذو اهمية كبرى بالنسبة للمنطقة التي كُتب فيها هذا الإنجيل، أو ربما قد يكون هذا الرسول، أو الجماعة التي كانت حوله، مصدر العناصر الخاصة بإنجيل متّى المختلفة عن Q وعن مرقس. تبقى كلها اسئلة إفتراضيّة لا يمكن الاجابة عليها بصورة قطعية.

 

 الكاتب

أغلبية علماء الكتاب المقدس يؤكدون ان كاتب هذا الانجيل هو مسيحيّ من اصل يهوديّ لا من اصل وثنيّ. الذين يعتقدون أنّ متّى لم يكن من اصل يهودي يعتمدون على بعض النقاط في الانجيل تظهر جهل الكاتب بدقائق الامور اليهودية مثل دمجه في الفصل 16، ولأربع مرات متتالية "الفريسيين والصدوقيين" كأنهم فريق يؤمن بالمعتقدات نفسها.  انما هذا الاثبات يفتقد إلى القوة لأن قصد الكاتب قد يكون التكلم عن جميع اعداء يسوع بجملهم بعبارة واحدة، اذ في 22، 34 يُظهر الكاتب معرفته بتمايز الجماعتين الواحدة عن الاخرى.

 

الدلائل على كون الكاتب من اصل يهودي:

- الاستعمال الدقيق والعميق للعهد القديم، وبطريقة تظهر معرفته بالعبرية وربما بالآرامية ايضا.

- يتضح الفكر اللاهوتي اليهودي في انجيل متّى مما يدل على تعمّقه بهذا اللاهوت وهذا غير مرجح بالنسبة لشخص وثني. اما تفضيله لاستعمال الكلمة اليونانية في الوقت الذي يستعمل مرقس التعبير العبري مع الترجمة (مثل استعماله Boanerges ابن الرعد في مر 3، 17 او طليتا قومي Talitha koum في 5، 41) فليس دليل على جهل متّى باللغة العبرية بل يمكن ان يكون خيارا اتخذه الكاتب لسهولة اكبر في التواصل مع مجتمع يفهم اليونانية بشكل جيد.

- انجيل النسبة الذي يشدد على ابراهيم وداود وعلاقتهم بالمسيح، المقارنة بين داود ويسوع، معرفة الكاتب بالتقاليد والاساطير اليهودية (19، 28).

- عظة الجبل والمقارنة بين الوصايا القديمة وتعاليم يسوع وتبديل الوصايا (متّى 22)، الجدل مع الفريسيين، الوصية بالطاعة للذين هم على كرسي موسى (متّى 23، 2-3)، الخوف والقلق من ان يكون الهروب نهار سبت (24، 20) هي كلها دلائل على كون الكاتب من اصل يهودي، عالم بالتوراة ومحافظ عليها.

- محورية الشريعة في الانجيل واهمية الاستشهاد بالعهد القديم (27، 9 الاستشهاد بارميا في الكلام عن يهوذا).

- اولوية  الرسالة لآل اسرائيل (15، 24).

 

 مكان وتاريخ الكتابة

اقدم الاستشهادات تنسب الانجيل إلى ارض فلسطين، وهذا يعود إلى التقليد الذي تكلمنا عنه بأن متّى قد كُتب بالعبرية او الآرامية، وعلى التشديد على الجدالات التي حصلت بين يسوع والفريسيين.

 

اغلب العلماء يقولون  بفلسطين، سوريا او انطاكيا.

 

- في متّى 4، 24 نجد الكاتب يضيف إلى نص مرقس اشارة إلى سوريا.

- يتكلم متّى ويشدّد على عبارة "مدينة" اكثر من "قرية" (26 مرة يرد عبارة مدينة مقابل 4 مرات لعبارة قرية) تجعلنا نظن انه يوجه انجيله إلى مدينة، تعتبر مركزا مدنيا يحتوي على جالية كبيرة يهودية.

- في متّى نجد احيانا تباينات في ما يتعلق باليهود وبالوثنيين اذ ان الكاتب كان مهتما بكلتي الفئتين:

 

احترام الناموس (5، 17 – 20؛ 10، 5-6؛ 23، 1-3) بينما تُظهر نصوص اخرى اهتمام الكاتب باعطاء مفهوم جديد للناموس (5، 17 – 48؛ 23، 1 – 26) وفي النهاية يعلن ان اليهود قد بقيوا دون ايمان (28، 15) وان مجامع اليهود سوف تضطهد الجماعات المسيحية (10، 17؛ 23، 34).

 

من جهة اخرى يأخذ متّى نصّا من مرقس (الانجيل الموجّه إلى الوثنيين) هو 7، 3- 4 انما يحذف منه الشروحات حول العادات اليهودية وهو يدل على ان الوثنيين الذين اصبحوا في جماعة متّى صاروا عالمين بالعادات اليهودية ممّا يدل على ان إنجيل متّى يوجّه إلى جماعة من اصل يهودي ضمّت ايضا جماعات وثنية.

 

انطاكية كانت مدينة تتطابق عليها هذه المواصفات وكانت تضم الجالية اليهودية الاكبر، وكانت احتفالاتهم الطقسية تجذب الكثير من الوثنيين بحسب ما يخبر المؤرخ فلافيوس يوسيفوس (حروب 7، 3، 3) ونعرف في اعمال الرسل ان المسيحيين الآتين من اورشليم كانوا يبشّرون الوثنيين بيسوع (أع 11، 19 – 20).

 

في انطاكيا  اصطدم بولس ببطرس وبمن هم حول يعقوب حول ضرورة الانقطاع عن الاطعمة المحرمة وضرورة الاختتان، وقد خسر بولس هذه الجولة ورحل عن انطاكية مّما يدل على ان هذه الجماعة كانت من الجماعات المحافظة على الوصايا والمتطلبة تجاه الوثنيين الذين تعرفوا على المسيح: هذه العناصر نجدها في متّى من حيث التشديد على اهمية الشريعة وعلى اولية بطرس (14، 28 – 31؛ 16، 17 – 19؛ 17، 24 – 27) ومتّى يضيف صفة "الاول" قبل اسم بطرس في 10، 2.

 

 تاريخ الكتابة

هناك اشارات يمكنها ان ترشدنا إلى تاريخ كتابة هذا الانجيل:

- لابدّ ان يكون متأخراً عن إنجيل مرقس لأنه يستعمل عناصر كثيرة منه.

- الصورة التي يعطيها الانجيل عن السلطات اليهودية كجسم موحّد حول الفريسيين يشير إلى الواقع اليهودي ما بعد العام 70.

- الاشارات إلى الاضطهاد للجماعات المسيحية من قبل المجامع اليهودية تشير إلى نهاية القرن الاول، اي بعد الانفصال الرسمي للمسيحيين عن اليهود. وهو ما تشير اليه عبارة "مجامعهم" في اماكن متعددة (4، 24؛ 9، 35...).

- الاشارة إلى دمار اورشليم (22، 7؛ 23، 38) تقودنا إلى ما بعد العام 70.

 

المحتوى

 

الفصل 1-4 ولادة يسوع ، معموديته وروايات التجارب

 

5 – 7 الخطاب الاول: العظة على الجبل

 

8-9 المعجزات العشرة

 

10 الخطاب الثاني: ارسال الرسل الاثني عشر

 

11 – 12 اسئلة وجدالات

 

13 الخطاب الثالث: امثال عن ملكوت السماوات

 

14 – 17 عجائب وتعاليم

 

18 الخطاب الرابع: التعامل بين المؤمنين والقدرة الكنسية

 

19 – 20 الرحلة نحو اورشليم

 

21 – 22 يسوع في الهيكل

 

23 – 25 الخطاب الخامس: تحذيرات اسخاتولوجية

 

26 – 28 خيانة يسوع وتسليمه، الحكم عليه، الصلب، الموت، القيامة والارسال النهائي.

 

 تصميم الانجيل

- المقدمة هوية يسوع وطفولته (1، 2 – 2، 23)

- من هو يسوع وكيف؟ (1، 1 – 25)

- ولادة يسوع وهدف حضوره: اين؟ (2، 1 – 23)

 

القسم الاول: اعلان ملكوت السماوات

 

رواية – رسالة يوحنا، عماد يسوع، تجاربه وبداية البشارة في الجليل (3، 1 – 4، 25)

عظة – العظة على الجبل (5، 1 – 27، 29)

 

القسم الثاني: الرسالة والتبشير في الجليل

 

رواية – العجائب العشر (8، 1 – 9، 38)

عظة – خطاب للّرسل قبل الإرسال (1، 1 – 42)

 

القسم الثالث: مواجهة يسوع ومقاومته

 

رواية- يسوع ويوحنا، الويلات لغير المؤمنين، الشكر على نعمة كشف حقيقته للصغار، الجدال حول السبت وقدرة يسوع، عائلة يسوع (11، 1 – 12، 50)

عظة – الخطاب بالامثال (13، 1 – 52)

 

القسم الرابع: الكريستولوجيا والاكليزيولوجيا

 

رواية – روايات وحوار: رفض يسوع في الناصرة، تكثير الخبز، السير على المياه، جدال مع الفريسيين، شفاءات تكثير الخبز مرة ثانية، اعتراف بطرس، اعلان يسوع لآلامه، التجلي والاعلان الثاني للآلام.(13، 52 – 17، 27)

عظة – الخطاب الكنسي (18، 1 – 35)

 

القسم الخامس الرحلة إلى اورشليم والتبشير فيها

 

رواية – تعاليم، امثال عن الدينونة، ثالث اعلان عن الآلام، الدخول إلى اورشليم، طرد الباعة وجدال مع السلطات (19، 1 – 23، 39)

عظة – الخطاب النهيوي (24، 1 – 25، 46)

 

الجزء الختامي وهو بلوغ الهدف والقمّة

 

- التآمر ضد يسوع والعشاء الاخير (26، 1 – 29)

- توقيف يسوع، المحاكمة اليهودّية وثم الرومانيّة، الصلب والموت (26، 30 – 27، 56)

- القبر، حراسة القبر، احداث القيامة، الترائيات (27، 57؛ 28، 20)

 

مصادر انجيل متّى

 

كما تكلّمنا سابقاً في المقدمة إلى الازائيين (راجع المشكلة الإزائيّة)، صار اغلبية العلماء يقولون بنظرية المصدرين وبأقديمة انجيل مرقس، وبالتالي يكون مرقس مصدر متّى الاول من ناحية استقاء مصادره (80 % من محتوى مرقس موجود في متّى).

بسبب الاختلاف الكبير بين متّى ولوقا في الأجزاء التي لا نجدها في مرقس نرجّح بشكل شبه مؤكد ان متّى ولوقا (كأناجيل) لم يعرفا بعضهما. وبالتالي كان لا بد من مصدر آخر مشترك قد يكون مكتوبا انما هو على الارجح مجموعة تقاليد شفهية دعوناها المصدر.

والمصدر الثالث هو الذي لا نجده مشتركا لا مع مرقس ولا مع لوقا انما هي مجموعة شفهية خاصة بمتّى ندعوها المصدر "م" (M).  هذه المجموعة تبدو خاصة جدا بمتّى – مجموعة من المعلومات حول بطرس (14، 28 – 31؛ 16، 17 – 19؛ 17، 24 – 27).

 

- اناجيل الطفولة، سلالة يسوع (1، 13 – 16) التي اضاف اليها متّى اسمي يوسف ويسوع، قصص البشارة لاسيما روايات الاحلام التي تجد جذورها في العهد القديم (يوسف ابن يعقوب واساطير يهودية حول ولادة موسى)، روايات المجوس والنجم التي تشير إلى قصة بلعام المجوسي الآتي من الشرق والذي رأى نجم داود يخرج من يعقوب (عدد 24، 17).

- روايات الآلام تحتوي ايضا على عناصر خاصة بمتّى استقاها من تقليد سابق لمتّى النهائي على الارجح شفهي، فأضاف على ما أخذه من مرقس رواية شنق يهوذا لنفسه (27, 3-10) وحلم زوجة بيلاطس (27، 19) وغسل بيلاطس ليديه تبرءاً من دم يسوع (27, 24 - 25) وروايات الخوارق التي تمّت بعد موت يسوع (27, 51-53) وقصة حرّاس القبر (27, 62-66)؛ 28, 2-4؛ 28, 11-15).

 

ميزة هذه العناصر الخاصّة هو البعد الروائيّ الخياليّ الحيّ والواقعيّ (احلام، مقتل الاطفال، الانتحار، الخيانات، الكذب والمؤامرات) واحداث سماوية وارضية فائقة الطبيعة (التدخل من قِبَل الملائكة، النجم السائر والهادي، الزلزال وقيامة الاموات).  والميزة الأكثر أهمية هي اعتماد متّى في هذا كله على العهد القديم كما لو ان هذه النصوص كلها قد كُتبت بهدف اعلان تحقّق ما ورد في العهد القديم.

 

ومن الميزات ايضاً عدائية نحو اليهود وتقارب من الوثنيين (زوجة بيلاطس تحاول ان تثني زوجها عن عزمه، بيلاطس الذي يغسل يديه، المجوس الذين يأتون من المشرق...).

 

بما ان متّى قد اعتمد بشكل دقيق ما أخذه من مرقس ومن المصدر دون تعديلات جوهرية، لا يمكننا أن نقول ان في هذه الاماكن فقط كان القرار من قبله باجراء التعديلات أو اضافات عشوائية، لذا لا بد من ان متّى قد أخذ هذه المعلومات من مصدر خاص، شفهي وقد يكون اساس التقليد الشعبي المتناقل ليس له مرجعاً تاريخياً مؤكداً).

 

تعديلات متّى لمرقس

لقد أضاف متّى بعض التعديلات على المواد المرقسية لدواعي لاهوتيّة تبشيريّة، كإضافة رواية الحوار بين يوحنا ويسوع والذي من خلاله يريد متّى إعلان حقيقة يسوع المسيحانيّة وعدم كونه من مرتبة اقل من المعمدان.

 

استعمال متّى للعهد القديم

 

نجد في انجيل متّى حوالي 60 استعمالاً مباشراً للعهد القديم وإلى جانبها عدد كبير من الاشارات الواضحة وغير المباشرة، وهو يشكّل ضعف ما استعملته الاناجيل الاخرى. هذا الارتكاز على العهد القديم يظهر ارادة متّى في إظهار العهد الجديد كأكتمال العهد القديم وتحقيقه.

 

هذه النقطة يظهرها اعتماد متّى على عبارة يكرّرها حوالي 14 مرة في استشهاده بالعهد القديم: "ليتمّ ما قيل على لسان...":

1, 22 - 23 ليتم ما قيل على لسان النبي القائل...

2, 15 مشابهة للسابقة

2, 17 - 18 فتمّت الكلمة التي جاءت على لسان ارميا النبي

2, 23؛ 4، 14 - 16؛ 8, 17؛ 12, 17 - 21؛ 13, 35؛ 21، 4 - 5؛ 27, 9- 10؛ 13، 14- 15؛ وايضاً 3، 3 التي تنطوي على نفس المعنى انما دون استعمال كلمة "تمام"، "يتمّ".

صور