عظات
٢٤‏/١٠‏/٢٠١٦ زمن التذكارات | الأب بيار نجم ر.م.م

أحدالموتى المؤمنين

يتّجه يسوع بكلامه للفريسيين "محبّي المال" (16، 14) الذين يتهكمون على يسوع ولا يبالون بكلامه، فبدأ يُظهر لهم الفرق بين نظرة الانسان الذي يعطي الأهمية لمن هو اقوى اقتصادياً ونظرة الله الذي ينظر الى الانسان كقيمة مطلقة بصرف النظر عن ممتلكاته (16، 15).

 

وفي مثل لعازر والغني يكمل لوقا هذه الفكرة ليظهر الفرق بين النظرتين: الانسانية والالهية.

 

(لوقا 16/ 19-31) 

"كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرجوانَ والكَتّانَ الناعِم، ويَتَنَعَّمُ كُلَّ يَومٍ بأفْخَرِ الوَلائم. وكانَ رَجُلٌ مِسكينٌ اسمُهُ لَعازَرُ مَطْروحًا عِندَ بابِه، تَكسوهُ القُروح. وكانَ يَشتَهي أن يَشبَعَ من الفُتاتِ المُتَساقِطِ من مائِدَة الغَنيّ، غير أنَّ الكِلابَ كانَت تأتي فَتَلحَسُ قُروحَهُ. وماتَ المِسكينُ فَحَمَلَتْهُ الملائِكَةُ إلى حِضنِ إبراهيم. ثُمَّ ماتَ الغَنيُّ ودُفِن. وَرَفَعَ الغنيُّ عَينَيه، وهو في الجَحيمِ يُقاسي العذاب، فَرأَى إبراهيمَ من بعيد، ولعازَرَ في حِضنِهِ. فنادى وقال: يا أَبَتِ إبراهيم، إرحَمني وأرسِلْ لَعازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إصبَعِهِ بِماءٍ وَيُبَرِّدَ لِساني، لأنّي مُتَوَجِّعٌ في هذا اللَّهيب. فَقالَ إبراهيم: يا ابني، تَذَكَّرْ أنَّكَ نِلْتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ، ولَعازَرُ نالَ البَلايا. والآنَ هوَ يَتَعَزّى هنا، وأنتَ تَتَوَجَّع. ومَع هذا كُلِّهِ، فَإنَّ بَينَنا وبَينَكُم هُوَّةً عَظيمَةً ثابِتَة، حتّى إنَّ الّذينَ يُريدونَ أن يَجتازوا من هُنا إليكُم لا يَستَطيعون، ولا مَن هُناكَ أن يَعبُروا إلَينا. فقالَ الغنيّ: أسألُكَ إذًا، يا أبَتِ، أن تُرسِلَ لَعازَرَ إلى بَيتِ أبي، فإنَّ لي خَمسَةَ إخوَة، لِيَشهَدَ لَهُم، كَي لا يأتوا هُم أيضًا إلى مكانِ العَذابِ هذا. فقالَ إبراهيم: عِندَهُم موسى والأنبياء، فَلْيَسمَعوا لَهُم. فقال: لا، يا أبَتِ إبراهيم، ولكن إذا مضى إلَيهِم واحِدٌ مِنَ الأمواتِ يَتوبون. فقالَ لَهُ إبراهيم: إن كانوا لا يَسمَعونَ لموسى والأنبياء، فَإنَّهُم، وَلَو قامَ واحِدٌ من الأموات، لَن يَقتَنِعوا!". 

الغني لا اسم له (حرفياً: رجل ما غني)، وعدم اعطاءه اسما بعكس لعازر الفقير يشير مباشرة الى ان هذا الذي كان مهما جدا في حياته اضحى دون اسم، دون هوية، فالهوية امام الله تحدّدها اعمال المرء في حياته.

 

النص لا يظهر لنا بالمقابل ان لعازر الفقير كان تقياً او محباً، كل ما يقوله النص هو انه كان فقيراً ومتألماً. انما اعطاءه اسماً يرشدنا الى سبب خلاصه. لعازر يعني "الله يساعد"، وفي الكتاب المقدس الاسم يشير الى الهوية، من خلال اسمه يقول لوقا ان الفقير كان متكلاً على مساعدة الله وراجياً له، بعكس الغني الذي كان "يتنعم" بالخيور المادية دون الاهتمام بواجب الرحمة.

 

ملقى على بابه: استعمال الفعل اليوناني بصيغة المجهول تشير الى عدم قدرة لعازر على اختيار المكان الذي يريد ان يكون فيه بل هو متعلق تماما برحمة الآخرين. والمكوث على باب رجل غني كان مكانا منطقياً يُلقى فيه رجل متسول، اما خطيئة الغني هي في عدم اكتراثه به رغم الانفاق الكبير على أمور أخرى غير اساسية لحياته.

 

كان يشتهي فتات الخبز... اما الكلاب كانت تأتي لتلحس قروحه:

 

هذه الآية هي بغاية القسوة تظهر الشر الذي ينتج عن الغنى، فالفقير لا عزاء له، يشتهي بقايا اخيه الانسان ولا يحصل عليها، اما الاشارة الى ان الكلاب كانت تأتي لتلحس قروح الفقير فتتّجه ضد الغني: لا فرق بين تصرّف الغني غير المبالي وعمل الكلاب التي تفتش فقط عن صالحها: انتفى كل رابط اناني بين الغني والفقير المتألم، لا بل ان الكلاب على قسوة عملها قد لمست جراح الفقير: انحدر الغني في مستوى الكائن البشري.

 

22-  موت الاثنين يعكس فارقا معبرا: فالفقير المتّكل على الله حملته الملائكة الى حضن ابراهيم، اشارة الى ميراثه كل وعود الله التي أُعطيت لابراهيم كبير الآباء: بك تتبارك كل شعوب الارض، اما الغني فأودع في قبر، انتهى وجوده في ظلام منارة مقفلة. يستعمل لوقا مجددا الفعل بصيغة المجهول انما هذه المرة ليُظهر ان الغني اصبح غير قادر على اختيار أين يريد ان يكون: لقد فات الاوان.

 

- انقلاب الادوار يستمر من خلال طلب الغني قطرة ماء من طرف اصبع لعازر، هي عودة لغوية للتذكير برغبة لعازر بفتات الخبز المتبقية من مأدبة الغني.

 

كما ان الهوّة التي تفصلها تردنا الى الباب الذي اقفله الغني عمليا في وجه لعازر. هذه الهوة كان على الغني ردمها في حياته من خلال عمل الرحمة.

 

- الغني يطلب معجزة ليجعل اخوته يتوبون والرب يحيله الى موسى والانبياء: "موسى" هو تقليديا كاتب الأسفار الخمسة، وفيها نقرأ "اذا كان عندك فقير من اخوتك... فلا تقس قلبك ولا تقبض يدك عن اخيك الفقير بل افتح له يدك واعطه ما يحتاج اليه" (تت 15، 3) اما الانبياء فقد أنبوا وحذّروا من اهمال الفقير واليتيم والارملة. اخوة الغني، كل يهودي، قد قرأوا الكتاب وعلموا ما يجب عمله ولا داع لاعجوبة. فالايمان لا يحتاج الى براهين حسّية ولا يُبنى على الخوف من الاموات بل على قناعة ودراية بالكتب المقدسة.

 

- حتى قيامة المسيح لن تقنع الذين اغلقوا قلوبهم عن الايمان، لذلك يدعو لوقا الجماعة الكنسية الاولى الى التعرف اكثر على الكتاب المقدس ليعملوا ارادة الرب المكنونة فيه، وهو ما شدّد عليه في رواية تلميذي عماوس، المسيح القائم اظهر حقيقته من خلال شرح الكتب المقدسة والانبياء.