عظات
١٦‏/١٠‏/٢٠١٦ زمن الدنح | الأب بيار نجم ر.م.م

الأحد الثاني بعد الدنح

بعد شهادة يوحنا المعمدان أنّ المسيح هو حمل الله، نبدأ برؤية ثمار عمله وإيمانه بالمسيح الحمل وابن الله من خلال إرسال تلاميذه للالتحاق بالمسيح.

يسوع حمل الله الذي كان قد أُعلن عنه للجماعة كلها، بما فيها الفريسيّين، تُعلن الآن بشكل شخصي للتلاميذ الذين يفتشون عن الخلاص.

 

(يوحنا  1 / 35-42)

في الغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ واثْنَانِ مِنْ تَلاميذِهِ. ورَأَى يَسُوعَ مَارًّا فَحَدَّقَ إِليهِ وقَال: "هَا هُوَ حَمَلُ الله". وسَمِعَ التِّلْمِيذَانِ كَلامَهُ، فَتَبِعَا يَسُوع. والتَفَتَ يَسُوع، فرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَقَالَ لَهُمَا: "مَاذَا تَطْلُبَان؟" قَالا لَهُ: "رَابِّي، أَي  يَا مُعَلِّم، أَيْنَ تُقِيم؟". قالَ لَهُمَا: " تَعَالَيَا وانْظُرَا". فَذَهَبَا ونَظَرَا أَيْنَ يُقِيم. وأَقَامَا عِنْدَهُ ذـلِكَ اليَوم، وكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الظُّهر. وكَانَ أَنْدرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ أَحَدَ التِّلمِيذَيْن، اللَّذَيْنِ سَمِعَا كَلامَ يُوحَنَّا وتَبِعَا يَسُوع. ولَقِيَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَان، فَقَالَ لَهُ: "وَجَدْنَا مَشيحَا، أَيِ الـمَسِيح". وجَاءَ بِهِ إِلى يَسُوع، فَحَدَّقَ يَسُوعُ إِليهِ وقَال: "أَنْتَ هُوَ سِمْعَانُ بْنُ يُونا، أَنتَ سَتُدعى كيفا، أَي بُطرُسَ الصَّخْرَة".

في النص السابق، يعتلن المسيح للجماعة بأسرها كحمل الله المخلّص اعتلانا علنياً بفم يوحنا المعمدان، دون اشارة إلى ان احداً قد تبع يسوع. بينما في هذا النص نجد الحقيقة نفسها تقدم للتلاميذ فيلبّون: إنّ التعرّف إلى يسوع يكون في علاقة شخصية مباشرة والتلميذ مدعو إلى التمعّن اكثر في معرفته ليسوع الآتي ليخلّص.

 

 وفي الغد: قد تبدو هذه العبارة مجرد حلقة في سلسلة سبعة ايام تنتهي بتجلي المسيح الاول في عرس قانا الجليل، انما اهميته تكمن في أنّه اليوم الثالث (اليوم الأوّل دعوة يوحنا إلى التوبة، اليوم الثاني: شهادة يوحنا حول المسيح وفي اليوم الثالث لقاء التلاميذ بيسوع). اليوم الثالث هو يوم القيامة، ولقاء التلميذ بيسوع يتمّ دوما على ضوء القيامة، وحده يسوع القائم من بين الأموات هو الذي يعطي التلاميذ معنى لاتباعهم ليسوع.

 

كان يوحنا واقفًا ويسوع يروح ويجيء: تعبّر الأفعال المستعملة عن رسالة يوحنا الانجيلي اللاهوتيّة: يوحنا واقف، والتلاميذ معه بينما يسوع مصوّر في حركة ذهاب وإياب، وبناء على إعلان يوحنا، خرج التلميذان من حالة الجمود إلى الانطلاق نحو يسوع، تحوّلا من واقفين إلى منطلقين نحو ومع يسوع. بطريقة غير مباشرة يعلن الانجيلي ان رسالة يوحنا وصلت إلى نهايتها، توقفت وصار على التلاميذ الانطلاق اكثر مع يسوع.

 

دعوة يسوع: لم تكن شهادة يوحنا كافية للتعرف إلى المسيح، يوحنا اشار إلى يسوع كحمل الله، انما التلميذان دعيا يسوع "معلم" واحد بين معلمين كثر في اسرائيل، يطلبان معرفة اين هو بيته، لأن لكل معلم مكاناً يستقبل فيه تلامذته.

 

"تعاليا وانظرا": هي كانت دعوة يسوع لهما للتعرف اليه بشكل اعمق وأصدق، والدعوة تأتي دوماً من السيد وهي ليست نتيجة اختيار التلاميذ ليسوع بل اختياره هو لهم. يسوع هو الذي يدعو ويوحنا ما كان الا الوسيط.

 

تقيم: كلمة أقام في انجيل يوحنا لها بُعد لاهوتي يتخطى معنى الاقامة الجسدية، ويأخذ معنى بلوغ مرحلة الإيمان الاعمق والارتباط بيسوع بشكل نهائي. وبهذا يرسم الانجيلي الرابع طريق التتلمذ لكلّ راغب في اتباع المسيح: المجيء إلى يسوع، رؤية مكان اقامته (الجماعة) والارتباط به بشكل نهائي (اقام).

 

بعد اقامتهما مع يسوع صار بامكانهما ان يعلنا حقيقته، انتقلا من نظرتهما ليسوع كمعلم بين سائر المعلمين (38) إلى حقيقة كونه المسيح المنتظر (41).

 

تعرّف التلاميذ على يسوع دفعهما إلى إعلانه إلى الآخرين. إنّما مرة أخرى لم يكن التلميذان هما مصدر الدعوة، فيسوع حدّق بسمعان دخل في علاقة مباشرة معه، واعلن عن دعوته له من خلال تغيير اسمه: تحول من سمعان الصياد إلى الصخرة التي سوف تصبح رأس الرسل والناطقة باسمهم. تغيير الاسم قد أعطاه وظيفة كما حدث مع كل آباء العهد القديم، وباعطائه اسماً جديدا لبطرس، يلد المسيح المدعو إلى حياة جديدة من خلال الدعوة التي يدعوه اليها.