مقالات
١٨‏/٩‏/٢٠١٧ Fiat Lux | أنطوانيت نمّور

نهاية غير تقليدية

وقف المعلم أمام الأم، وبحماس بادر بالتحية وأسرع القول:

 "في جميع سنوات عملي مع الأولاد، لم يحدث شيء من مثل ما حدث مع إبنك سيدتي"!!!

وقبل إستيضاح الأم تابع المعلم على مسامعها:

"كنت أدرّس هذا الصباح عن الكتابة الإبداعية، وكما أفعل دائماً، أبدأ بقصة النملة والصرصار... تعلمين: النملة النشيطة التي تعمل بجد طوال الصيف وتخزّن الكثير من الطعام، ولكن الصرصار يلعب كل الصيف، يغني ولا يعمل. ثم يأتي الشتاء، ويبدأ الجوع مع شح الطعام، فيذهب صديقنا الصرصار ليتسوّل...

هذه المرة قاطعته الأم وتابعت هي القصة:

"من فضلك سيدتي النملة، أعطني شيئاً من الطعام الذي خزنّتي الكثير منه!!"

"بالضبط!، أضاف المعلم، وهنا تماماً أتدخل طالباً من الفتيان والفتيات، كتابة نهاية القصة. إبنك، مارك، سيدتي، رفع يده سائلاً إذا كان يستطيع رسم صورة متعلقة بالموضوع، فوافقت شرط أن يكتب أولا نهاية للقصة . وكما هو الحال في جميع السنوات الماضية، أجمع معظم الطلاب على نهاية تفيد أن النملة شاركت طعامها مع جارها، واستطاع الإثنين الإستمرار بالعيش خلال فصل الشتاء. فقط قليل من الأولاد يصر أن الغذاء لا يكفي الإثنين، فترفض النملة المشاركة ويموت الصرصار. لكن ابنك سيدتي أنهى القصة بطريقة مختلفة عن أي طالب آخر من أي وقت مضى، وكتب: "وهكذا بذلت النملة نفسها من أجل "قريبها" الصرصار بعد أن أعطته طعامها!! وعند بداية إعتراضي: "هذا ليس بعدل أن تنتهي النملة هكذا..."قام صغيرك سيدتي بشغف المقتنع بنهاية سعيدة و أراني صورته :

لقد رسم مارك في أسفل الصفحة ثلاثة صلبان... وأضاف: "الخلاص يقع عند أقدام الصليب!!"

.....

صدق الصغير: الخلاص يقع عند أقدام الصليب! فالصليب ليس مجرد رمز لتضحية الله، وإنما هو رمز لحبه وخلاصه أولاً!!!

وعندما نثق بالحب المصلوب، لا نقوم بذلك  تلذذاً  بالألم ولا رغبةً بالموت، إنما سعياً وراء الحياة الحقة!! فإقتناء الحب هو القيمة العليا التي تمنح الحياة المعنى الأسمى! ولكن الحب الحقيقي الذي يظهرمعدنه خلال الأزمات والمواقف الصعبة التي نمر بها في مسيرة حياتنا وعلاقتنا مع الأشخاص، يتطلب الإنطلاق صوب الآخر... ورحلة الإنطلاق تلك تستوجب وضع بذل الذات في موضع التطبيق، ولكنه التطبيق المثمر الذي يعطي الخلاص.

.....

في عصر ذلك اليوم، تركت الأم غرفة المعلم وهي فخورة بإبنها الصغير!! فعلاً مذهلة النهاية التي رسمها، تشي بصلاح العمل على إيمان أطفالنا منذ نعومة الأظافر!!  نعم، مذهلة النهاية الغير تقليدية للقصة التقليدية - فأمام أزمة الآخر جعلت الحب ينطلق لدعوة الخلق:

ففي “ليس جيداً أن يكون أدم وحيداً” (تكوين 18:2) هناك دعوة لعدم الموت في حلقة الأنا الضيقة… هي دعوة للإنسان أن يدخل في علاقة عامودية مع الله الذي جعل الأبدية في قلب كل منا (سفر الجامعة 11:3) وعلاقة أفقية مع الآخر… وفي كل مرة ينفتح المخلوق على هذين البعدين يشكّل في حياته صليب خلاص يعكس حقيقة أنه صورة الخالق!

ونحن اليوم في زمن الصليب، أعطنا يا رب أن ندرك و نبشر بمسيحيتنا التي تتخذ الصليب رمزاً لها – تلك المسيحية التي وعلى عكس أي دين آخر- تبدأ بما يصفه الآخرون بكارثة وإنكسار ولكنها تنتهي بقبر فارغ وانتصار.