مقالات
١٦‏/٥‏/٢٠٢٠ Fiat Lux | أنطوانيت نمّور

وجه الآخر

هل نستطيع أن نحمل حب حقيقي تجاه فكرة مجرّدة؟

لا! يذكرنا الأب ريتشارد روهر بإستحالة الأمر ويستفيض بالتفكير ناقلاً عن الفيلسوف اليهودي إيمانويل ليفيناس قوله إن الشيء الوحيد الذي يبدّل قلب الانسان هو "وجه الآخر". حتى انه يصف وجه المتألّم حبًّا بالأكثر إلحاحًا من الوصايا العشر على قلوبنا. فمجرّد إعطاء وصايا على لوح من حجر لا يغيّر قلب بشر؛ قد يحفذ الإرادة عندهم لكنّه لا يلمس القلب مثل اللقاءات الشخصية.

ومن هنا نفهم أكثر إنحائة السماء في يسوع الرب المتجسّد "الذي كان من البدء، والذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا" كما يقول يوحنا

(يوحنا ١: ١(

في منحىً موازن يكثر في أحاديث المتصوّفين المسيحيين رؤية الوجه الإلهي المحبوب. وهذا "اللقاء" يبدّل القلوب... يحثّها أن تطبع صورته المحبوبة في أرواحها وكلّما أردنا الصورة أوضح، نسعى أن نزيل من "مرآتنا" العيوب: لا خوفاً من إله غضوب ولا مجرّد طمعاً بجنّةٍ خَلوب بل تماهياً مع الحب اللامتناهي الممنوح لنا بمجانيّة بالرغم من الذنوب.

نعود الى يوميّاتنا، بات للأسف عصرنا عصر وباء الكورونا. قيّد حركتنا ووجدنا أنفسنا مرغمين على التباعد الإجتماعي وأصبح إرتداء الأقنعة جزء من روتيننا... فهل إختفى وجه الآخر ولم نعد نرى سوى "الأنا" ؟؟؟

نعم ولا... بحسب أي درب نتبنّى: فإذا ميّزنا وجه الرب لا بد أن نرى فيه أخوتنا فهو "أبانا" جميعاً دائماً وأبدا: عندها رغم التباعد الاجتماعي سيظهر الترابط الإنساني.

أما إذا حوّلنا الطرف عن وجه الرب لن نرى سوى ظلامنا: عندها سنهمِّش ونهشِّم بعضنا ونضيّع فرصة خلاصنا.

اليوم، إيماننا على المحكّ. هل هو إيمان حقيقي عامل بالمحبة يُظهر وجه الرب الذي إلتقينا... أم هو مجرد فكرة مجرّدة مبرّدة في قالب طقوس أصبحت فينا مجرد عادة بلا روح وميّتة؟

وليس الموضوع سهلاً: فلنذكر أن من يرى وجه الله “ يموت” (خر ٣٣:٢٠) أي لنرى وجهه يجب أن نموت عن ضيق ذواتنا لنختبر تجلّيه لنا.

لكن تبقى المفارقة أن في هذا التخلي الذي يتبعه تجلّي ملء الحياة والمعنى. نعم، اليوم الخيار لنا هل ننسى ملامح إنسانيتنا أم نتجذّر في الصورة التي عليها تشكّلنا؟

في الخيار الأول موتنا الحقيقي وفي الثاني نتضامن في الدعم المعنوي وإذا أمكن المادي؛ وهذا التكافل يكون: سلامنا في أوقات إرباكنا،

وخبزنا في أوقات جوعنا،

والثوب الذي يغطي عرينا،

وتعزيتنا في وقت حزننا،

وأنيسنا في وحدتنا،

وفي مساء هذه الحياة: كل هذه تضحي طمأنينة قلوبنا.

انطوانيت نمّور