مقالات
٣‏/٢‏/٢٠١٥ Fiat Lux | أنطوانيت نمّور

الله تحت السرير؟!

 ماريو الثلاثينيّ يظنّ بأنّ الله يعيش تحت سريره. فالشاب مختلف.

رفضت أمّه، جينا، الإجهاض عندما علمت في آخر فترة الحمل أنّه سيكون بهذا الإختلاف. نصحها الأطباء بالتخلص منّه جنيناً، فحين يولد قد يكون عبئاً عليها وعلى العائلة... كلّ هذه الحجج، لم تقنع الأم المؤمنة بالتخلّي عن ولدها. فهي تدرك مدى قيمة الحياة التي تكوّنت في أحشائها بغض النظر عن الظروف الجسديّة أو حتّى العقليّة التي تغلّفها. وهي لن تقتل إبنها بحجة أنّه جنين...

 

البارحة كانت تمر بقرب غرفة نومه وسمعته يكلّم الله بصوت عال: "هل أنت هنا يا ربّ؟" قال:

"أردت أن أتمنّى لك ليلة سعيدة... أين أنت؟ أوه، لا بدّ أنّك تحت السرير."

ضحكت الأم بهدوء ومشت إلى غرفتها الخاصّة وهي تفكّر بإبنها...

 

هو حقًّا مختلف، تسير أيامه إلى الأمام وهو لا يزال يعيش في عالم الطفولة التي لن يترك، في قدراته العقليّة، سنواتها السبع... وهو غالبًا ما يكون مصدر الفرح في البيت. في براءته يظنّ أنّ الله يعيش تحت سريره، وأنّ الطائرات تحلّق في السماء لأنّ الملائكة تحملها...

 

وتلمع في عينيّ الأم دمعة... تذكر كلمات الأب دانيال مرشدها: "إبنك الثلاثينيّ، جينا، يعيش فرح الربّ وقدّيسيه. ففي ما تظنيه "رتابة" في حياته سلامٌ يفتقده الكثيرون ممّن يثقون بالذكاء البشري طريقاً وحيداً للسعادة."

 

تعود الأم و تفكّر في حياة ماريو: "فهو لخمسة أيّام في الأسبوع يستيقظ باكراً ويذهب لعمله الحرفيّ في مشغل تديره الراهبات. يعود عند الظهيرة ليتناول الأطعمة المفضلة لديه: فالمعكرونة وغيرها من الأطباق التي تحضّرها جينا مميّزة: فيها نكهة حبّ الأمّ وحنانها... القليل من التلفيزيون، ثمّ العشاء، وبعد ذلك إلى السرير. يختلف الأربعاء حيث يدور بحماس لصنع عصير الفواكه مع أمه، يجلس أمام الخلاّط بدهشة الأمّ أمام مولودها الحديث الولادة!! والسبت، طبعاً!!  هذا هو اليوم الذي يأخذ الوالد، ماريو إلى المطار لتناول الحلوى ومشاهدة الطائرات في حركة الإقلاع والهبوط، والتكهّن بصوت عالٍ على وجهة كلٍّ منها... ليل السبت يكاد لا ينام تحسّباً ليوم العائلة من القدّاس إلى الغذاء العائلي حيث هو محاط بإهتمام وعاطفة الكلّ.

 

هي أحداث حياته القصوى، لا تخرّج جامعي ولا منافسة في العمل... لا يعرف شيئاً خارج عالمه هذا: حياته بسيطة، لا يهمّه ما الماركة التجاريّة التي تحملها ملابسه أو أي نوع من الطعام الفاخر يأكله. لا تهمّه الثروات ولا يقلق بشأن ترقيات. يبدو أميناً في طقوسه اليوميّة ومتحمّساً في رحلاته الميدانيّة الصغيرة: وبين هذه وتلك هو الفرح الذي يفيض من قلبه إلى كلّ من يلتقيه... حتى أنّه يعطي الأولويّة لجمع غسيل أخوته القذر حتى تغسلها الأم قبل غسيل ملابسه هو!!  ويبدو سعيداً أبداً واضعاً قلبه في كلّ عمل مهما كان "صغيراً": كتنشيف وتوضيب الصحون بعد أن تغسلها الأم... لا يتقاعس عند البدء و لا يترك "وظيفته" حتّى يتمّ الانتهاء من ذلك. وعندما تتمّ "مهمته" يقبّل والدته ويذهب فرحاً للاسترخاء..."

 

قبل أن تستغرق جينا في النوم تلك الليلة، شكرت الربّ مرّة جديدة على النعمة التي تعيش في بيتها و تدعى "ماريو"...

 ماريو الذي لا يزال يعتقد أنّ الجميع يقول الحقيقة، وعندما تكون على خطأ، عليك الاعتذار.

ماريو الشفاف الذي لا يخشى البكاء حين يستدعي الأمر.

ماريو الخالي من الكبرياء وغير المبالي بالمظاهر...

 ماريو الذي يثق بالله: لا عبر المنطق الفكري، ولكن عبر قلبه الطفولي.

و تمتمت الأمّ: "شكراً ربّي على ماريو، وعذراً منك حين شككت وخفت وإفتخرت... وحوّلت ظروفي إلى عنوان إعاقتي!! شكراً لأنّك منحتني مَن ببراءته وفرحه وأمانته وبساطته علّمني عمق المحبة...  وعذراً بإسم كلّ من حذف أحد أخوتك هؤلاء الصغار بحجة الإعاقة... هي صلاتي لك الليلة... ومن يدري ففي يوم تفتح أسرار السماء وندرك بدهشة عن قربك من كلّ قلبٍ منا قد تكون صلاة ذاك الصبي الذي يعتقد أنّ الله عاش تحت سريره أعمق من صلواتنا جميعاً!!!