عظات
١٨‏/٤‏/٢٠١٧ زمن العنصرة | الأب بيار نجم ر.م.م

الأحد الرابع من زمن العنصرة

يسوع يخاطب الإثنين والسبعين الّذين اختارهم ليكونوا رسل كلمته في العالم. هو يكمل مسيرة بدأها مع الإثني عشر. إن كان الأثنا عشر يمثّلون قبائل إسرائيل الإثني عشر فإن الإثنين والسبعين يرمزون الى شعوب الأرض كلّها. فسفر التكوين، بنسخته اليونانيّة، يعدّد أبناء نوح ما بعد الطوفان، كعائلات العالم كلّه، فإن أحصينا الأسماء نجدها 72 اسماً، على عدد شعوب الأرض بحسب معتقد اليهود القديم.

لوقا 10: 21-24

وفي تِلْكَ السَّاعَةِ ابْتَهَجَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ القُدُس، فَقَال: "أَعْتَرِفُ لَكَ، يَا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَاءِ وَالأَرْض، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هـذِهِ الأُمُورَ عَنِ الـحُكَمَاءِ وَالفُهَمَاء، وَأَظْهَرْتَها لِلأَطْفَال. نَعَم، أَيُّهَا الآب، لأَنَّكَ هـكذَا ارْتَضَيْت. لَقَدْ سَلَّمَنِي أَبي كُلَّ شَيء، فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآب، وَلا مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْن، وَمَنْ يُريدُ الابْنُ أَنْ يُظْهِرَهُ لَهُ". ثُمَّ التَفَتَ إِلى تَلامِيذِهِ، وقَالَ لَهُم عَلى انْفِرَاد: "طُوبَى لِلْعُيونِ الَّتِي تَنْظُرُ مَا أَنْتُم تَنْظُرُون! فَإِنِّي أَقُولُ لَكُم: إِنَّ أَنْبِياءَ وَمُلُوكًا كَثِيرِينَ أَرادُوا أَنْ يَرَوا مَا أَنْتُم تَنْظُرُون، فَلَمْ يَرَوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُون، فَلَمْ يَسْمَعُوا".

 

هذا النّص هو اختصار جميل لمعنى العنصرة، إذ يرسم صورة الكنيسة وهدفها في رحلة السير على خطى الرّب وبهدي الروح القدس. أهميّة الرسالة والإنطلاق تأخذها عمقها من كلمات الرّب يرسل تلاميذه، لا الإثني عشر فحسب، بل الإثنين والسبعين الآخرين. وجود الإثنين والسبعين تلميذاً، وليس الإثني عشر فقط، هي رسالة موجّهة الى كنيسة اليوم، الى كلّ معمّد ومعمّدة، لم يعرف الرّب شخصيّاً، ولا كان في العشاء الأخير معه، ولا رافقه على طرقات الألم ولا رآه في العليّة قائماً من بين الأموات. هؤلاء الأثنين والسبعون يمثّلون كلّ واحد منّا اليوم، ويعلنون أن هدف الكنيسة، هدف المعمّدين، هدفنا نحن اليوم، هو الإنطلاق لإعلان إنجيل المسيح في العالم كلّه.

وفي تلكَ السّاعَةِ اَبتَهَجَ يَسوعُ بِالرُّوحِ القُدُس، فقال: "أحمَدُكَ أيُّها الآبُ، يا رَبَّ السَّماءِ والأرضِ، لأنَّكَ أظهَرتَ للبُسَطاءِ ما أخفَيتَهُ عَنِ الحُكَماءِ والفُهَماءِ. نعم، أيُّها الآبُ، هكذا كانَت مَشيئَـتُكَ"

تأتي صلاة يسوع هذه بعد إرسال التلاميذ وعودتهم، ليخبروا الرّب عن نجاح مهمّتهم، وأنّهم رأوا الشيطان يسقط من السماء.

لم يبتهج يسوع كما فرح التلاميذ لأنّ رسالتهم قد نجحت، إن ابتهاج الرّب يحمل بعداً آخر لذلك يشدّد الكاتب على مصدر فرح الرّب ووسيلة فرحه: الرّوح القدس. يستعمل لوقا هذا الفعل في أماكن من إنجيله يتكلّم بها عن فرح يتخطّى حدود هذا العالم ويجمع الإنسان بالله مصدر الفرح الحقيقيّ. المثل الأبرز نجده في لوقا 1، 47 حيث تعلن مريم "تبتهج روحي بالله محيّيَّ". إن هذه الفرح الّذي اختبرته مريم، كما فرح يسوع هنا بالروح القدس، هو فرح الدخول في المجد السماوي، هي لمسة إلهية، قبلة الرّوح القدس، يختبرها من هو في إتّحاد بالله ويضع رجاءه فيه، ويفتش عن فرحه في إتمام كلمة الله في حياته.

أن هذا الإنجيل هو إنجيل التناقض: التناقض بين التلاميذ الّذين يجدون فرحهم في نجاح رسالتهم، والرّب الّذي يجد فرحه في إتّحاده مع الآب في رباط الرّوح القدس نبع السعادة الحقّة.

التناقض نجده أيضاً في صلاة يسوع، في الإختلاف بين السماء والأرض في قول الرّب "أحمدك يا أبي، ربَّ السماء والأرض"، كما نجده في التناقض بين الحكماء والبسطاء 

 التناقض الأبرز يبقى في أن كلّ معرفة أرضية هي معرفة ترتبط بالعقل، بالعلم، بقوى الإنسان العاقلة. معرفتنا الماديّة ترتبط بمعدّل ذكاء الإنسان وبمستواه الثقافي، أمّا معرفة حقيقة الله، فلا يمكنها أن تكون معرفة عقلية فقط، ولا يمكن أن تقوم على تحليل علميّ أو حسابيّ، بل هي معرفة البسطاء والأطفال، هي معرفة الحبيب لحبيبته، معرفة الأمّ لإبنها، معرفة الصديق لصديقه، معرفة لا تقوم على التحليل والتقييم والتفكير، بل على الحبّ، على الصداقة، على البنوّة، على الثقة. محبّتنا لشخص قريب لا يمكن أن تقوم على التقييم المنطقيّ، وربّما إن حلّلنا منطقيّاً، فسوف نكتشف الكثير من الأخطاء والنواقص في شخص الصديق، ورغم هذا نصدّقة.

تختصر عبارة "يا ربّ السماء والأرض" هذه التناقض بين المعرفة الإلهيّة والمعرفة الإنسانيّة، المعرفة بحسب الإيمان والمعرفة بحسب اليقين العلميّ. فالله هو خالق السماء والأرض، ومعرفة الخالق السماويّ تستوجب حكمة لا إنسانيّة فحسب، بل إلهيّة بنوع مميّز.

فالخالق قد حجب أسرار الألوهة عن العلماء والفهماء وأظهرها للبسطاء. مرّة أخرى يلتقى هذا النّص بنص نشيد مريم، تقول " حطّ المقتدرين عن عروشهم ورفع البسطاء". هذا هو التناقض الإلهيّ، هذا هو الفرق بين "الحقيقة" السماويّة وبين الحقائق الأرضيّة. لا نفهم من هذا أن لا دور لعقلنا ولمعرفتنا في مسيرة اكتشاف حقيقة الله ومعرفة شخصه ودوره في حياتنا، فالعقل الإنسانيّ، والمعرفة البشريّة هما ما يميّز الإنسان عن الكائنات الأخرى، فهو قادر على التفتيش، لا بل هو مدعوّ الى معرفة الله على ضوء العقل.

ولكن الخطيئة الكبرى هي خطيئة الكبرياء العقليّ، حين يظن الإنسان نفسه قادراً على إخضاع حقيقة الله لعقله، ويحوي في معرفته حقائق الأبد والأزل. والإتّضاع الفكريّ هي الفضيلة التي تحمي الإنسان من السقوط في سقطة الإنسان الأوّل: "تعال نأكل من الثمرة فنصبح مثل الله، نعرف الخير والشّر". إن المعرفة والعقل كانا في أساس سقطة الأنسان الأولى، ليس لأنّهما مصدر شرّ، بل لأنّ الإنسان قد أساء استعمالهما، فتخطّى حدود طبيعته، وأراد أن يُخضِع الإله لقدرته الإنسانيّة المحدودة.

دعوة الإنسان هي التفتيش عن الله، لا البقاء في حالة سلبية من الخضوع الجاهل، هو مدعّو الى استعمال عقله حتى الوصول الى الحدود التي لا يمكن للعقل تخطّيها، عندها عليه أن يعلم أنّ ما يفتّش عنه يتخطّى قدرته. إن التفتيش عن الحقائق الإلهيّة، هي مثل تسلّق جبل عال، نبدأ بتسلّقه، ونكمل على حيث لا يمكننا الإستمرار، لأن قمّة الجبل تتخطّى قدرتنا، عندها يأتي دور الإيمان، يحين الوقت الّذي نظهر لله ثقتنا به رغم عدم قدرتنا على إعطاء محتوى الإيمان هذا تأكيدات علميّة. هذا السعي هو أيضاً مثل السير على درب شاقّة وطويل، نسيرها نحو هدفنا ولكنّنا نعلم أن وادياً يفصل بيننا وبين هدفنا، نسير رغم هذا وصولاً الى حافة الوادي، وهناك، على حافّة الوادي، لا يبقى أمامنا سوى طريقة وحيدة تمكّننا من بلوغ غايتنا: القفز الى المقلب الآخر. هذه القفزة هي قفزة في العدم بالنسبة للعقل، وهي قفزة كيانيّة يقوم بها الإنسان للإتّحاد للوصول الى الخالق، هذه القفزة هي الإيمان. في الإيمان لا ضمانات عقليّة، ولا تأكيدات حسيّة ملموسة، هي مثل القفز في العدم. هذه الحقيقة لم تُعط الى "العلماء والفهماء" كما يقول الربّ في الإنجيل هذا، بل للأطفال والبسطاء، لا لأن الرّب لا يحبّ الحكماء، بل لأنّ من يتّكل على قوّة عقله ليصل الى الحقيقة، لا يرى في الإيمان سوى أمراً لا معنى له، يراه مشابهاً للقفز في العدم.

أمّا الطفل، البسيط والبريّ، فيأخذ تفتيشه منحى آخر، هو يسأل، ويفتّش، ويحاول أن يفهم، فمن منّا لم يختبر أسئلة طفل صغير، يسأل ولا يتعب الى أن يحصل على جواب يقنعه. أن يشبّه الرّب المؤمن بالطفل لا يعني أنّ المؤمن لا يجب أن يطرح أسئلة، ولكنّه يصدّق ويؤمن دون حاجة الى ضمانات ملموسة، فضمانة ثقته هو الحبّ الّذي يملأ قلبه. المؤمن هو كالطفل يسير قرب والديه، يسير جاهدا يستعمل قواه كلّها، وحين يتعب، لا يخشى أن يقول "لقد استهلكت طاقتي كلّها"، "لقد تعبت"، لا يخجل الطلب من أبيه أن يحمله. وحين يصبح بين يدي أبيه أو أمّه، لا يطرح الأسئلة، لا يخشى السقوط، لا يقول في قلبه: "ماذا لو رماني أبي الآن؟"، "ماذا لو تعثّرت أميّ؟"، هو لا يشكّك في حبّ أبيه، ولا يشكّك بقدرة أمّه على الإستمرار في حمله. هكذا المؤمن، يسير جاهداّ، مفتّشاً عن حقيقة الله وعن محتوى الإيمان، ولكن حين يستهلك طاقته العقليّة كلّها لن يخجل من الإعلان عن فشله في الوصول الى الحقيقة وحده وبقوّته العاقلة دون معونة النعمة الإلهيّة، ودون أنوار الروح القدس.

أبـي أعطاني كُلَّ شيءٍ .ما مِنْ أحَدٍ يَعرِفُ مَنْ هوَ اَلابنُ إلاّ الآبُ، ولا مَنْ هوَ الآبُ إلاّ الابنُ ومَنْ أرادَ الابنُ أنْ يُظهرَهُ لَه

لا يمكننا أن نفصل هذه الكلمات عمّا سبقها، فالآب، خالق السماوات والأرض، قد أعطى الأبن كلّ شيء. منطقياّ هذا "الكلّ شيء" لا بدّ أن يكون "السماوات والأرض"، فالمسيح الكلمة، المساوي للآب في الجوهر وفي الطبيعة الإلهيّة، أداة الخلق، الكلمة التي قالها الأب فكان كلّ شيء، هو المالك مع الآب، "به كان كلّ شيء" و"له تخضع كلّ ركبة في السماويّات، وعلى الآرض وما تحت الأرض" "وهو الّذي سوف تعلنه كلّ شفة ولسان".

ولكنّ هذا العبارة ترتبط ليس فقط بالسماوات والأرض، إنّما بالمعرفة أيضاً: ما يعجز الإنسان الإنسان عن الوصول اليه بمفرده صار بإمكانه الوصول اليه من خلال المسيح، الإله والإنسان. في يسوع المسيح حلّت حكمة الآب كلّها، ومن خلال المسيح فقط يمكننا أن ندرك حقيقة الله. إدراكنا هذا لن يكون يوماً كاملاً، لأنّ عقلنا وكياننا وقدرتنا المحدودة سوف تحتاج الى معاينة الله أزليّاً، في علاقة حبّ لا تنتهي، ومعاينة أبدية للجمال الإلهي وللحقيقة. لنعرف حقيقة الله لا بدّ أن نكون من جوهر الله نفسه. وحده المسيح، كلمة الله، الإنسان الحقّ والإله الحقّ يمكنه الدخول في هذه المعرفة الكاملة، لأنّ هذه الحقيقة هي جوهره الشخصيّ، أمّا نحن، فمن خلاله نشترك في المعرفة، وإن بشكل غير مطلق.

والوسيلة الأخرى للوصول الى هذا المعرفة، وإن بشكل جزئي، فهي في الإشتراك بهذه الحقيقة بشكل شخصيّ. معرفة الحقيقة الإلهيّة هي معرفة جوهر الله، وجوهر الله هو الحبّ، وبالتالي فيمكننا الدخول في هذه المعرفة ليس بشكل عقلي بل بشكل فعلي وكيانيّ، من خلال عيشنا فضيلة المحبّة بشكل كامل. اليس هذا ما قام به القدّيسون؟ إن عيش الحبّ نحو الله ونحو الآخرين يتخطّى مجرّد الشفقة أو الواجب، فرباط الحبّ الّذي نحياه في علاقتنا بالآخرين، وبنوع خاص نحو من هم في حاجة الى هذا الحبّ، تصبح وسيلة تعرّف عمق على الله وعلى حقيقة إيماننا.

واَلتَفَتَ إلى تلاميذِهِ، فقالَ لهُم على اَنفِرادٍ: هَنيئًا لِمَن يَرى ما أنتُم تَرَونَ!  أقولُ لكُم: كثيرٌ مِنَ الأنبـياءِ والمُلوكِ تَمَنَّوا أنْ يَرَوا ما أنتُم تَرَونَ فما رَأوا، وأنْ يَسمَعوا ما أنتُم تَسمَعونَ فما سَمِعوا

إن كلام الرّب لم يكن موجّهاً لجميع الحاضرين، إنّما للتلاميذ على إنفراد. الطوبى التي أُعطيت هنا ليس بسبب رؤية الرّب فقط، فالآخرون قد رأوا أيضاً، ولكن الطوبى أعطيت للتلاميذ فقط. فالآخرون كانوا موجودين ينظرون، يشاهدون، يتعجّبون، حضروا ليروا أعجوبة، ليشاهداً أمراً مذهلاً، ليستموا الى تعليم معلّم أتى من الجليل، مثله مثل معلّمين كثيرين آخرين. أمّا التلاميذ فكانوا هناك لأنّهم أرادوا أن يكونوا مع المسيح، لأنّهم آمنوا بالمسيح وانطلقوا يبشّرون بانجيله. لقد أعطى الرّب الطوبى للتلاميذ ليس لأنّهم رأوا المسيح بالجسد، بل لأنّهم أمنوا أنّه المخلّص. لقد أُعطيت الطوبى لهم، لأنّهم رأوا خلاص الله يتمّ في وسط شعبه، في وسط الكون، طوبى لهم لأنّهم آمنوا أن يسوع الموجود بينهم هو مخلّص الكون بأسره. لم يؤمنوا نظريّاً فقط، بل اشتركوا في مخطّط الرّب، صاروا شركاء في مخطّط الرّب الخلاصيّ، لقد تعرّفوا الى الله. بهذا المعنى صار ممكناً أن نعرف حقيقة الله، حين نؤمن كما آمن التلاميذ، ونعلم أنّ دعوتنا هي ليس أن نكون مشاهدين لعمل الله في العالم، بل مشاركين في خلاصه، من خلال مشاركة كلّ واحد منّا، على قدر طاقته، بالخلاص الّذي يعطيه الله للإنسان.

لقد أشتهى الملوك أن يروا ما يراه التلاميذ، والملوك هنا يُقصد بهم داود وسليمان، فالأول كان بالنسبة للتقليد اليهوديّ كاتب المزاميروالثاني كاتب الحكمة والأمثال. الأوّل أعلن اقتراب خلاص الله، وتاق لمعاينته، ومات قبل حلول الخلاص هذا. والثاني تكلّم عن الحكمة الإلهيّة، وليدة الله والمنبثقة منه، كما هو المسيح كلمة الله وخارج منه، ولكن سليمان مات قبل أن تعاين عيناه حلول الملكوت على الأرض، ملكوت تجسّد بيسوع المسيح. والأنبياء تاقوا لرؤية خلاص الله، فهم الّذين أعلنوا عنه، إنتظروه، طلبوه وصلّوا لكيما يصل، ليخّلص الرّب الأرضَ من الشرّ والخطيئة. الأنبياء أعلنوا الملكوت، وبشّروا بالخلاص، وقضوا قبل معاينته. أمّا مجموعة البسطاء الفقراء الجليليّين، فجُلَّ ما قاموا به هو الوقوع في حبّ يسوع، تركوا قاربهم والشباك، تركوا القليل الّذي كانوا يملكونه ليضعوا كلّ حياتهم في خدمة الإنجيل. الملكوت الّذي انتظره الملوك والأنبياء، عاينه التلاميذ في شخص يسوع المسيح.

في هؤلاء التلاميذ نرى أنفسنا نحن اليوم، وفي الطوبى التي أعطاها الله لهم، نسمعها توجّه الينا أيضاً، نحن الّذين آمنّا دون أن نرى، نحن الّذين نثق دون أن نلمس، ونؤمن لأنّنا نحبّ، نحن الّذين نضع أنفسنا في خدمة البشارة، في حياتنا اليوميّة، في كلّ عمل محبّة نقوم به تجاه الآخرين، كلّ كلمة مؤاساة، كلّ لمسة حنان، كلّ نظرة تعزية، كلّ كلمة تشجيع، في كلّ سلام، كلّ نظرة، كلّ لحظة مغفرة، وكلّ قبول للإختلاف، نكون مشاركين في خلاص الرّب، ونسمعه يقول لنا "طوبى لكم"، ونعلم أنّ هذه هي المعرفة الحقّة، المعرفة التي تحبّ لا المعرفة التي تفهم.